اغتيال حسن إصليح- تكميم الصحافة الفلسطينية ومحاولات إسكات الحقيقة في غزة

في الثالث عشر من مايو/ أيار، شهد مجمع ناصر الطبي في خان يونس فاجعة مروعة، حيث استهدفت الغارات الإسرائيلية الصحفي الفلسطيني القدير حسن إصليح، منهية حياته في اعتداء هو الثاني من نوعه.
في السابع من أبريل/ نيسان، نجا إصليح بأعجوبة من قصف مماثل استهدف خيمة الصحفيين أمام مستشفى ناصر، والذي أسفر عن استشهاد الصحفي أحمد منصور.
على الرغم من نجاته من هجوم أبريل/ نيسان، إلا أن القدر لم يمهله طويلًا؛ فبعد مرور شهر، وبينما كان يتلقى العلاج في المستشفى جراء إصابته بحروق بالغة وفقدانه لإصبعين، أودى الانفجار الثاني بحياته ودمر وحدة الحروق في المستشفى.
لم يتردد جيش الاحتلال الإسرائيلي في التباهي باستهداف حسن في الهجومين، مدعيًا بشكل زائف أنه عنصر من حماس "يتستر بصفة صحفي". هذه الادعاءات الكاذبة هي ذاتها التي دأبت إسرائيل على إطلاقها لتبرير تصفية الصحفيين في غزة، ولكنها هذه المرة لم تكن سوى افتراءات جديدة.
استنكر رايان غريم، الشريك المؤسس لموقع "دروب سايت نيوز"، هذه "التصريحات الهستيرية الصادرة عن جيش الاحتلال"، واصفًا مزاعم إسرائيل بأنها "سلوك شائن ومنحرف نفسيًا بشكل واضح وجلي".
وادعى جيش الاحتلال المثير للجدل أنه قصف المستشفى بحجة أن "مسؤولًا ماليًا في حكومة حماس، سبق اغتياله، كان يعمل في المستشفى خلال شهر مارس/ آذار"، معتبرًا ذلك سببًا كافيًا لتبرير "قصف المستشفى في مايو/ أيار". وأكد غريم بحزم: "لتوضيح الأمر، فإن مجرد وجود موظفين حكوميين في مستشفى لا يجعله هدفًا مشروعًا من الناحية القانونية أو الأخلاقية، خاصة بعد مرور أشهر على ذلك".
وأضاف بغضب: "إن قصف وحدة الحروق بهدف اغتيال صحفي مرموق يرقد فيها نتيجة لقصف خيمته هو انحدار غير مسبوق في مستويات الإجرام. قلة قليلة جدًا من الحكومات تجرأت على ارتكاب جرائم مماثلة على مدار المئة عام الماضية، وأقل منها من تجرأ على فعل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع".
انتشرت عبارات الرثاء المؤثرة لروح حسن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن بينها منشور للصحفي أبي بكر عابد جاء فيه: "وداعًا لبطل قتلته إسرائيل لمجرد أنه كان صحفيًا ينقل الحقيقة".
وإلى جانب صورة مؤثرة لحسن يرتدي سترته وخوذته التي تحمل شعار "PRESS"، ويتطلع بنظرة ثاقبة إلى الكاميرا، كتب صحفي آخر بحزن: "لقد اغتالتك إسرائيل يا حسن.. قتلوك لأن صوتك كان عاليًا جدًا.. قويًا جدًا، ومؤثرًا للغاية".
لم يفلت هذا المنشور من أعين منظمة ضغط صهيونية ذات سمعة سيئة تُدعى "Honest Reporting"، وهو اسم يحمل في طياته قدرًا كبيرًا من التهكم والسخرية، لا سيما لمنظمة أُنشئت خصيصًا لتزييف الحقائق، وفرض الرقابة الخانقة على الصحافة.
تأسست هذه المنظمة المشبوهة عام 2006 على يد جو هيامز، المتحدث المسجل رسميًا باسم السفارة الإسرائيلية في الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين عملت بشكل دؤوب وسري على مهاجمة كل من ينتقد إسرائيل، وخاصة الصحفيين الشجعان في غزة. وقد تبين لاحقًا أن لها دورًا كبيرًا في عملية اغتيال حسن المأساوية.
نشرت "Honest Reporting" تغريدة خبيثة جاء فيها: "لا عدد الكاميرات ولا سترات الصحافة ولا الخوذ يمكن أن تخفي من هو حسن الأصليح"، وزعمت كذبًا أن حسن "عمل بشكل وثيق مع حماس لترويج دعايتها الإرهابية".
كان هذا المنشور بمثابة تحريض سافر ومباشر على القتل، حيث كتب مستخدم يحمل اسم "ballofworms" تعليقًا خطيرًا قال فيه: إن الصحفي الذي دافع عن حسن أصبح "هدفًا مشروعًا"، ودعا بشكل وقح جيش الاحتلال الإسرائيلي: "افعلوا ما يجب عليكم فعله دون تردد".
منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، دأبت هذه المنظمة على اتهام حسن وعدد كبير من الصحفيين الآخرين بأنهم عناصر ينتمون إلى حماس، وذلك لمجرد قيامهم بتوثيق الأحداث المأساوية التي وقعت في ذلك اليوم المشؤوم.
لم تكتفِ المنظمة بذلك، بل اتهمت وكالات إخبارية عالمية كبرى مثل: رويترز، وأسوشيتد برس، وسي إن إن، وحتى صحيفة نيويورك تايمز المرموقة، باستخدام صور من أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول، مدعيةً زورًا أنها صادرة عن حركة حماس.
لم تقف رويترز وأسوشيتد برس مكتوفتي الأيدي، بل ردتا بقوة على هذه الاتهامات الباطلة، وأجرت رويترز تحقيقًا مستقلًا خلص بشكل قاطع إلى أنه "لا يوجد أي دليل يدعم مزاعم التنسيق مع حماس". ووصفت المنظمة بأنها تنشر "ادعاءات غير مسؤولة ولا أساس لها من الصحة".
وقد أوضح مدير رويترز التنفيذي، جيل هوفمان، أن مثل هذه "الإيحاءات" تمثل خطرًا حقيقيًا على سلامة الصحفيين الشجعان في غزة، مضيفًا: "نؤمن بشدة بأن Honest Reporting، يجب أن تُحاسب بشكل كامل على نشرها المتعمد للمعلومات المضللة، وعلى المخاطر الجسيمة والأضرار البالغة التي لحقت بمصداقية وسلامة الصحفيين العاملين في تغطية هذا الصراع الدامي".
وفي الولايات المتحدة، تتحمل منظمات إسرائيلية أخرى نصيبًا غير متناسب من المسؤولية عن اعتقال واحتجاز الطلاب الأجانب الذين يعارضون الإبادة الجماعية، والمقيمين بشكل قانوني في أميركا.
على سبيل المثال، منظمة "بيتار أميركا" "Betar USA"، وهي منظمة ذات ميول فاشية واضحة، ومنظمة "Canary Mission" سيئة السمعة، والتي وصفتها مجلة "The Nation" بأنها "حملة واسعة النطاق للتشهير والتجسس مصدرها إسرائيل"، تستهدف الطلاب والأساتذة الجامعيين الذين ينتقدون سياسات إسرائيل، وتوجه إليهم اتهامات كاذبة وملفقة تهدف بوضوح إلى "الإضرار بفرصهم المستقبلية في الحصول على وظائف مرموقة".
في عام 2018، كشفت صحيفة The Forward أن مؤسسة Helen Diller Family Foundation قامت سرًا بتخصيص مبلغ كبير قدره 100 ألف دولار أمريكي لصالح منظمة "Canary Mission" المشبوهة، من خلال "الصندوق المركزي لإسرائيل" (CFI)، وهي منظمة خيرية مقرها نيويورك، تعمل كوسيط للتبرعات السرية المعفاة من الضرائب، والتي يقدمها أثرياء أميركيون متطرفون لدعم الجماعات المتطرفة في إسرائيل.
وقد كُشف مؤخرًا في وثائق محكمة أن منظمتي "بيتار" و"Canary Mission" هما الجهتان اللتان تقفان وراء القوائم السوداء التي استخدمتها وزارة الخارجية الأميركية بشكل غير قانوني لاحتجاز الطلاب المنتقدين لإسرائيل تعسفيًا. ففي الثامن من أبريل/نيسان 2025، نشر حساب "بيتار" تغريدة تتضمن ملفًا شخصيًا من موقع "Canary Mission" لطالب تركي يُدعى إيفي إيرجيليك، وجاء في التغريدة الفاضحة: "لقد حددنا هذا الشخص الحاصل على تأشيرة، وقدمنا اسمه للسلطات المختصة لترحيله فورًا".
وتابعوا قائلين: "هناك الكثير من هؤلاء الأوغاد ينتشرون في أنحاء البلاد، لكنه حالة متطرفة بشكل خاص في ولاية ماساتشوستس الفاسدة". ووفقًا للمحامي المتخصص في قضايا الهجرة، آرون رايشلين- ميلنيك، فإن إدارة ترامب السابقة قامت بسحب تأشيرة هذا الطالب المسكين "بسبب التغريدة التحريضية التي نشرتها منظمة بيتار ضده".
وبعد مرور 48 ساعة فقط على نشر تلك التغريدة المشينة، أصدرت السلطات مذكرة توقيف بحق الطالب البريء "استنادًا إلى كذبة صريحة وواضحة". وأكدت أوراق الدعوى الرسمية أن وزارة الأمن الداخلي الأميركية قد استخدمت تغريدة "بيتار" المذكورة للموافقة على احتجاز إيفي إيرجيليك بشكل غير قانوني.
ولكن بعد أن قدم محامون شجعان في ولاية ماساتشوستس التماسًا عاجلًا إلى المحكمة، أمر القاضي بالإفراج الفوري عن الطالب، مؤكدًا بحزم أن "الاحتجاز تم بناء على تحريض شبه حصري من منظمة بيتار العالمية المعروفة بتطرفها وعنصريتها".
وقد صدرت هذه الأحكام القضائية المستندة إلى القانون والدستور، على أساس أن اعتقال الطالب كان غير دستوري على الإطلاق، لأن "أنشطته السلمية" و"خطابه الحر" محميان بشكل كامل بموجب التعديل الأول للدستور الأميركي، والذي يكفل حرية التعبير للجميع. حتى الآن، تأثرت الأوضاع المتعلقة بالهجرة لما يقرب من 1800 طالب في 280 مؤسسة تعليمية مرموقة، وتم إلغاء العديد من تأشيراتهم بشكل تعسفي وظالم.
وفي تأبين مؤثر للصحفي الشهيد حسن إصليح، نقلت منصة Mondoweiss عنه قوله: "قد يستهدفونني حتى داخل المستشفى، في غرفتي هذه الضيقة. ماذا عساي أن أفعل؟ أنا لا أقاتل. أنا أعمل بكل جد وإخلاص، وأنا مسؤول بشكل كامل عن مهنتي المقدسة.. وإذا قتلني الجيش الإسرائيلي الغاشم، فإن الصور التي التقطتها بعدسة كاميرتي والقصص المؤلمة التي رويتها للعالم أجمع ستظل حية في ذاكرة الأجيال القادمة. اسمي وقضيتي العادلة وصوتي الحر سيبقى حيًا إلى الأبد – أما الاحتلال البغيض فسيزول حتمًا لا محالة".
نعم، الاحتلال البغيض سيزول حتمًا، لأن الطلاب والناشطين الشرفاء لن يرضخوا أبدًا ولن يتراجعوا قيد أنملة عن التنديد بالإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين. وفي ظل القمع الشديد للحراك الطلابي المتصاعد في الجامعات الأميركية، يخوض عدد كبير من الطلاب حاليًا إضرابات بطولية عن الطعام تضامنًا مع الشعب الفلسطيني المظلوم.
فقد بدأ نحو عشرين طالبًا وطالبة في ولاية كاليفورنيا إضرابًا عن الطعام في الخامس من مايو/أيار الماضي، بهدف لفت انتباه العالم إلى المجاعة المفتعلة التي يتعرض لها سكان قطاع غزة المحاصر. وكتبوا في بيان مؤثر: "نحن طلاب جامعات سان فرانسيسكو، وساكرامنتو، ولونغ بيتش، وسان خوسيه الحكومية، نبدأ اليوم إضرابًا جماعيًا عن الطعام تضامنًا مطلقًا مع مليوني فلسطيني مهددين بالموت جوعًا في قطاع غزة المحاصر"، بحسب ما أعلنت حركة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين". وفي الحادي عشر من مايو/ أيار، انضم ستة طلاب آخرين من جامعة ييل المرموقة إلى هذا الإضراب البطولي.
وبحلول يوم الاثنين، امتدت هذه التحركات الاحتجاجية لتشمل جامعة ستانفورد العريقة، حيث شارك فيها ما لا يقل عن 10 طلاب شجعان و 3 من أعضاء هيئة التدريس المخلصين. وقد بدأت هذه التحركات الجماهيرية تؤتي ثمارها الطيبة؛ إذ أعلن طلاب جامعة ولاية سان فرانسيسكو إنهاء إضرابهم عن الطعام بعد التوصل إلى اتفاق مع إدارة الجامعة يقضي بالاستجابة لمطالبهم العادلة.
وفي مدينة نيويورك الصاخبة، بتاريخ الخامس عشر من مايو/ أيار، ألقى الطالب الشجاع لوغان روزوس من جامعة نيويورك NYU كلمة مؤثرة للغاية خلال حفل تخرجه، وسط تصفيق حار وهتافات مدوية من زملائه، قال فيها: "أتحدث إلى كل ذي ضمير حي.. إلى كل من يشعر بالألم الأخلاقي العميق إزاء هذه الفظائع المروعة.. أدين بشدة هذه الإبادة الجماعية النكراء وكل من يتواطأ فيها بأي شكل من الأشكال". وفي محاولة انتقامية بائسة ويائسة، قررت إدارة الجامعة الظالمة حجب شهادته المستحقة، ولكن هذه المسرحية الجبانة سرعان ما ستنكشف أمام الملأ، وستُفضح باعتبارها فعلًا منافقًا ومخزيًا لا يليق بمؤسسة أكاديمية عريقة.